مجزوءة المعرفة - النظرية والتجربة

مجزوءة المعرفة

إن الانسان كائن عارف، قادر على إنتاج أفكار ومعارف ونظريات،  فالمعرفة هي ذلك النشاط العقلي  الذي يربط الانسان بذاته وبالعالم المحيط به، لأنه لا يستطيع أن يعيش ويواصل حياته دون أن تكون له تفسيرات وتصورات للعالم او الواقع، فهو دائم السعي وراء غاية أساسية هي امتلاك الحقيقة، حقيقة ذاته وحقيقة محيطه سواء الطبيعي منه أو الاجتماعي وفهم الواقع وإعطائه معنى ومعقولية، الشيء الذي جعل الانسان يحقق تقدما ملموسا في الكشف عن قوانين الطبيعة، وطور مناهج العلوم التجريبية من خلال الحوار الجدلي بين العقل والتجربة، غير أن العلوم الانسانية ( علم الاجتماع، الانتروبولوجيا ...) مازالت تواجه إشكالات كبرى نظرا لظهورها المتأخر في القرن 19م، ونظرا لطبيعة موضوعها وخصوصية الظواهر الانسانية.

النظرية والتجربة

تعد النظرية والتجربة من المكونات الأساسية للمعرفة العلمية، فلا يمكن الحديث عن إنتاج معرفة علمية بعيدا عن هذين المفهومين باعتبارهما مصدرين لانتاج معرفة تأخذ طابعا نظريا مجردا أو أبنية منطقية منظمة تهدف الى تقديم تفسيرات عامة لوقائع الطبيعة، وتعتمد في نفس الوقت على التجارب العلمية لبناء حقائقها، وبذلك فإن العلاقة بين مفهومي النظرية والتجربة أفرزت إشكالات ابستيمولوجية أبرزها:

-         هل المعرفة تتأسس على المعطيات الحسية التجريبية وتنظيمها وفقا لقوانين،أم أن الوقائع الحسية لا تكون ذات دلالة، إلا إذا صاحبتها أسئلة نظرية؟

-         وما هو دور كل من النظرية والتجربة في إنتاج المعرفة العلمية؟

-         وهل القول باهمية التجريب في إنتاج المعرفة العلمية تهميش لدور العقل؟

-         ماهي معايير الحكم على صلاحية علمية النظريات العلمية؟

تحديد دلالات مفهومي النظرية والتجربة

1-    النظرية: 

   النظرية في دلالتها العامة تحيل على العقل، وتعني تجريد الواقع وتجاوزه، أو مجموع الافكار والمفاهيم المجردة

اصطلاحا تشير النظرية الى " نسق من المبادئ والقوانين ينظم معرفتنا بمجالات خاصة، ويتضمن هذا النسق بناء عقليا له مكوناته الخاصة ويخضع لنظام فرضي استنباطي يسمح للعالم بالانتقال من عنصر الى أخر وفق تراتب صارم"

2-    التجربة: 

تشير في دلالتها العامة الى معنى الخبرة، او كل ما يكتسبه في علاقته المباشرة بالواقع، فكل إنسان سواء في حياته اليومية أو في مزاولته لمهنة ما فهو يراكب معارف وخبرات أي تجربة

أما التجربة في دلالتها العلمية فهي تحيلنا على معنى التجريب L’expérimentation  والذي يأخذ معنى القيام بإعادة إحداث ظاهرة ما، تمت ملاحظتها في شروط محددة، بهدف دراستها والوصول الى بناء معرفة حولها.