القائمة الرئيسية

الصفحات

تحليل ومناقشة السؤال: هل الصداقة هي الوجه الوحيد للعلاقة مع الغير؟


تحليل ومناقشة السؤال


هل الصداقة هي الوجه الوحيد للعلاقة مع الغير؟


يحيل الوضع البشري على الوجود الانساني الذي تحكمه مجموعة من الضرورات والشروط والحتميات التي تتفاعل في ما بينها، ذلك ان الانسان كائن يشترك مع باقي الكائنات الاخرى في الشق الطبيعي البيولوجي فهو يخضع لمجموعة من القوانين الطبيعية لكنه يتميز بقدرته على تحقيق وعين بذاته وبمحيطه الطبيعي والاجتماعي، فهو كائن مفكر وعاقل، كما يحيل الوضع البشري على مجموعه من الابعاد والوضعيات التي يتخذها وجود الانسان في العالم، ومن بينها نجد البعد التفاعلي الذي يتمثل في وجود الانسان باعتباره غيرا، فالغير هو الاخر من الناس منظور اليه، ليس بوصفه ليس موضوعا بل بوصفه ذاتا تمتلك وعيا وارادتا انه انا اخر يشبهني ويختلف عني، وتسعد الذات باستمرار الى الاقتراب من الغير ونسج علاقات معه فهو يشاركنا الوجود في العالم، فنجد أن علاقة الصداقة هي الرابطة التي  تربط بين الأنا والغير، لكن لا يمكن القول إن علاقة الصداقة هي النموذج الوحيد للعلاقة مع الغير، فما طبيعة العلاقة التي تنسجها الانا مع الاغيار؟ وهل يمكن القول ان الصداقة هي الوجه الوحيد للعلاقة مع الغير؟ وهل هناك اشكال اخرى للعلاقة مع الغير؟

كجواب عن الاشكال المطروح يمكن القول ان الصداقة هي الوجه الوحيد للعلاقة مع  الغير ، فالغير هو الانا الذي ليس انا المشابه والمخالف لي، انه يشاركنا الوجود في العالم، ولا تستطيع الأنا ان تعيش وحيدة ومعزولة، فهي تميل بشكل طبيعي فطري الى نسج علاقات مع الغير، وتعد الصداقة نموذجا ايجابيا لهذه العلاقة  فهي علاقة حب وود تنشأ بين طرفين او اكثر، وتتأسس على الفضيلة والاخلاق بعيدا عن المصالح الشخصية والمنفعة الذاتية، ان الصداقة هي رابطة قوية تجمعنا بالغير، إنها النموذج الوحيد للعلاقة الذي يجمعنا سواء مع الاغيار الذين تربطنا بهم صلة القرابة او الذين لا تجمعنا معهم اية صلة قرابة، فلا يوجد انسان مكتف بذاته، بل إنه في حاجة الى الغير، فالصداقة هي تحقيق للتكامل بين افراد النوع الانساني ومد لجسور التعاون والتواصل فيما بينهم، وفي هذا السياق يمكن الاستئناس بما قدمه الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي ذهب الى  أن ماهية العلاقة مع الغير هي الصداقة، إن الصداقة – حسب أرسطو- هي إحدى الحاجات الأشد ضرورة للحياة التي لا يمكن للإنسان ان يستغني عنها، ولا يمكن لأي إنسان كيف ما كان ان يعيش بلا اصدقاء، مهما كان عمره  ( طفلا، شابا، كهلا، شيخا) أو مرتبته الاجتماعية (فقيرا، غنيا ...) ذلك أن أسمى أنواع العلاقات التي يمكن ان تنسجها الأنا مع الغير، هي علاقة الصداقة التي تقوم على الفضيلة فهي تدوم وتستمر بخلاف الصداقة التي تكون غايتها المتعة  أو المنفعة  فمصيرها الزوال
 إن ما يميز هذا التصور قيد التحليل  هو تقديمه لتصور ايجابي للعلاقة مع الغير، من خلال علاقة الصداقة التي تجمعنا بالغير  سواء كان قريبا منا او بعيدا عنا، لكن واقع العلاقات الإنسانية يكشف ان الصداقة ليست الوجه الوحيد للعلاقة مع الغير، اذ نجد انماطا متعددة من العلاقات، تأخذ في كثير من الاحيان شكل صراع، وثارة اخرى تكتسي مظهر اللامبالاة، كما أن العلاقة مع الغير لا تتأسس دائما على الفضيلة والاخلاق، بل تقوم على المنفعة والمصلحة أيضا.
نجد اشكالا اخرى للعلاقة مع الغير ومن بينها علاقة الغرابة التي تحمل دلالات حقوقية في طياتها، وهذا ما ذهبت اليه "جوليا كريستيفا" بقولها  ان طبيعة العلاقة التي تجمعنا بالغير هي علاقة الغرابة والتي تستدعي منا احترامه والتسامح معه، " فالغريب يسكننا على نحو غريب"  فالغير الغريب ليس ذلك القادم من بعيد او البراني عن الجماعة الذي يهدد تماسكها وانسجامها، ذلك ان وحدة الجماعة ليست سوى مظهر عام عندما ندقق فيها ينكشف لنا أن الجماعة تحمل في ذاتها بحكم اختلافاتها وتناقضاتها الداخلية، غريبها قبل أن ينفذ إليها غريب أجنبي.

نخلص إلى أن الفرد لابد ان ينسج علاقة ايجابية مع الاغيار تقوم على الاحترام والتسامح والتعاون وليس على الصراع، ذلك ان الغير ما هو في واقع الامر الا انا اخر بشري مثلنا يجب أن تجمعنا به قيم انسانية نبيلة منزهة عن المصالح الضيقة.



تعليقات

4 تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق