منهجية تحليل ومناقشة القولة
"كل دولة تقوم على العنف"
إن
السياسة هي عملية تدبير وتسيير وإدارة شؤون تجمع بشري، فهي من
أهم الممارسات البشرية الجماعية التي تهدف الى جعل الوجود الانساني وجودا منظما
وخاضعا لمبادئ عقلية وأخلاقية، فالسياسة اذن هي
تدبير لشؤون المجتمع وعليها يتوقف نشر وتثبيت القانون، وتعد الدولة الاطار المنظم
للممارسة السياسية وهي عبارة عن مجموعة من الاجهزة والمؤسسات السياسية والقانونية،
والعسكرية والادارية والاقتصادية التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما، فالدولة اذن
هي ممارسة السلطة الدائمة داخل مجال
عمومي ينظم علاقات الناس، وتعمل على ضمان حقوفهم والحفاظ على كرامتهم، لكن نجد أن
الدولة تلجأ في كثير من الاحيان الى التدخل بالعنف للحفاظ على استمراريتها، وضبط
المجتمع وإعادة التوازن إليه، فهل تتأسس الدولة على العنف والقوة؟ وهل استمرار
سلطة الدولة رهين بممارستها للعنف واستخدام القوة؟ ألا يجب أن تقوم الدولة على
الحق والقانون ؟
تقدم
القولة تصورا مؤداه أن كل دولة تتأسس على العنف، بمعنى أن كل دولة لا تمارس العنف
سيكون مصيرها الزوال والانهيار، فاستخدام العنف شرط لقيام الدولة واستمراريتها،
فالدولة هي مجموعة من المؤسسات السياسية والعسكرية التي تمارس السلطة والحكم في
بلد ما، ومن أبرز مؤسسات الدولة نجد الأجهزة القمعية مثل الشرطة والجيش وقوات
مكافحة الشغب ... ودور هذه المؤسسات استعمال العنف، الذي هو الافراط والتعسف في
استعمال القوة، وهو كل فعل يخالف طبيعة الشيء. إن العنف – حسب مضمون القولة- هو
الأساس الذي تقوم عليه الدولة، أي أن استمرار وجود الدولة رهين بممارستها للعنف
بكل انواعه سواء العنف المادي أو العنف الرمزي الذي تمارسه عبر أجهزتها
الإيديولوجية، إذ من حق الدولة استخدام العنف من أجل ضبط المجتمع وإعادة التوازن
إليه عندما تحدث الفوضى، وتحتفظ الدولة لنفسها بالحق في ممارسة العنف المادي باسم
القانون كلما تطلب الامر ذلك.
إن ما
يميز هذا التصور المعبر عنه في القولة هو أنه قدم تعميما لظاهرة استخدام العنف في
التاريخ من طرف الدولة، حيث لم يستثني أي دولة او تجمع سياسي من ذلك،
كما جاء في القولة " تقوم كل دولة على العنف"، ويمكن تأكيد ذلك من خلال
استطلاع وقراءة التاريخ البشري، لكن هذه القولة أهملت مسالة أساسية وهي ان الدولة
لا يمكن أن تقوم على العنف والقوة وحدهما، بل لا بد من اعتماد الحق والقانون، لأن
هذا العنف الذي تستخدمه الدولة يجب أن يكون مؤطرا بالقانون وإلا تحول
الى أداة تسلط وأداة للاستعباد والقتل بدل أداة لممارسة السلطة، وإن
اعتماد الحق والقانون من شأنه الحفاظ على كرامة المواطن، خاصة إذا كانت هذه
القوانين مؤسسة على مبادئ عقلية وأخلاقية.
إذا كانت
القولة تؤكد أن كل دولة تقوم وتتأسس على العنف، فإننا نجد السوسيولوجي
الألماني ماكس فيبر يؤكد ان الدولة هي الكيان الوحيد الذي يحتكر
ممارسة العنف المادي المشروع فهي تستخدمه باسم القانون من اجل تنظيم المجتمع
واعاده التوازن اليه، ولتوضيح موقفه أكد انه لا يمكن تعريف الدولة من خلال ادوارها
فهي كثيرة ولا يمكن حصرها، ولكن يمكن تعريفها من خلال الوسيلة المميزة والخاصة بها
ألا وهي ممارسة العنف الفيزيائي، ويستشهد ماكس فيبر بقول السياسي الروسي تروتسكي الذي
يقول إن "كل دولة تنبني على القوة" وذلك لتأكيد أن العلاقة بين الدولة
والعنف هي علاقه حميمية لأن استخدام العنف يعد حقا مشروعا للدولة، فالدولة التي لا
تمارس العنف يكون مصيرها الزوال والانهيار وان كل عنف يمارس خارج اطار الدولة سواء
مارسه فرض على فرض اخر او جماعة على جماعة اخرى فانه يعد عنف غير مشروع.
وفي جانب
اخر نجد جاكلين روس تؤكد ان الدولة الحديثة تؤدي وظائفها بواسطه الحق
والقانون، فدولة الحق والقانون هي حماية لحقوق الافراد وابرزها الحرية والمساواة،
ومن هنا يكون الامتثال لمبدا الحق التزاما وليس الزاما بمعنى امتثال عن طواعية
ورضى وقناعه عقليه لما تتضمنه تلك القواعد القانونية من ضمانة لحقوق الفرد، تقول
جاكلين روس " ان بناء دوله الحق يتطلب ان يكون الانسان ذا قيمة ولا يمكن
استعباده من طرف اي كيان او استعباده كوسيله وانما اعتباره على الدوام كغاية"
فالإنسان هو جوهر القاعدة القانونية معيار صلاحيتها، ان دولة الحق والقانون هي دولة
تتسم بالفصل بين السلط وجعل بعضها يراقب بعضا واحترام المواطن والحفاظ على كرامته
الإنسانية والعمل بالحق والقانون.
نخلص من
خلال تحليل ومناقشة القولة إلى أن الدولة الحديثة يجب أن تقوم على الحق والقانون،
من أجل ضمان حقوق المواطنين والحفاظ على كرامتهم الإنسانية، وأن تحتفظ الدولة
بحقها في ممارسة العنف كلما دعت الضرورة إلى ذلك، شريطة ان يكون هذا العنف مؤطرا
بواسطة القانون، ومجرد وسيلة لحفظ النظام وحماية الصالح العام وليس غاية في ذاته.
تعليقات
إرسال تعليق