الإيديولوجيا والوعي الإنساني
إن
الوعي حسب معجم لالاند "معرفة مباشرة لا للذات وحسب، بل للأشياء الأخرى أيضا"[1]،
فالوعي هو سيرورة من العمليات العقلية التي تسمح للإنسان بفهم العالم ونفسه، ويرتبط
الوعي بنشاط الفرد وبتطور اللغة لديه، إن الوعي يستوعب التاريخ والمعرفة فيدرك
الواقع إدراكا حسيا مباشرا، كما يرتقي ويتطور ليكون إدراكه إدراكا عقليا مجردا، إن
الوعي هو أيضا العتبة الأولى لمعرفة العالم الخارجي، ويتميز الإنسان بقدرته على
تحقيق وعي بذاته و بمحيطه سواء منه الطبيعي أو الاجتماعي فالإنسان كائن واع لكن
هذا الوعي قد تشوبه بعض الشوائب وقد لا يكون وعيا حقيقيا فهو معرض للتزييف والتضليل،
وقد تلحق بالوعي بعض الأوهام وكل ذلك نتيجة عمل الإيديولوجيا.
إن
الوعي هو إدراكنا للواقع وبدونه لا يمكننا معرفة الواقع، لذلك يمكن تعريف الوعي أيضا
بأنه الحدس الحاصل للفكر بخصوص حالاته وأفعاله، فهو بمثابة النور الذي يكشف للذات
عن بواطنها، كما أن الوعي هو الذي يربط الذات مع العالم الخارجي غير أن تمثل الناس
أحيانا للواقع يكون بشكل مقلوب وهذا الوعي المشوه يسمى إيديولوجيا.
إن للإيديولوجيا عدة استعمالات
فهي أولا تقدم صورة معكوسة عن الواقع، يقول الفيلسوف الفرنسي بول ريكور "
تعني الإيديولوجيا إذن العملية الفكرية العامة التي بواسطتها تعمل التمثلات
الخيالية على تشويه حياة الناس الواقعية"[2]،
وتقوم بتبرير أفكار الطبقة المسيطرة وتضفي عليها طابع المشروعية، كما أنها تقوم
بوظيفة الإدماج، وترتبط هذه الوظيفة بتكوين بنية رمزية للذاكرة الجماعية، وإدماج
الفرد داخل الجماعة وجعله يحس بالاعتزاز والافتخار بسبب هذه الانتماء للجماعة،
ويتم ذلك عبر تخليد جماعة بشرية ما احتفالاتها وذكرياتها الأساسية، حيث يتمكن
أفراد الجماعة من إعادة إحياء الأحداث التاريخية، كأحداث أولية مؤسسة للهوية
الخاصة بالجماعة.
هكذا
نجد تأثيرا كبيرا للإيديولوجيا في تشكيل الوعي الإنساني، وهذا ما يؤكده كارل ماركس
حين ير ى أنه لا يمكن تحديد وعي الناس بمعزل عن علاقته بوجودهم الاجتماعي، "إن
إنتاج الأفكار والتمثلات والوعي، يكون قبل كل شيء وبصفة مباشرة، وثيق الصلة
بالنشاط المادي للبشر وبتبادلهم المادي، إنه لغة الحياة الواقعية الحقيقية، فتمثلات
الناس وتبادلهم الفكري يظهر هنا أيضا كتجل مباشر لسلوكهم المادي. والأمر مماثل
لذلك فيما يتعلق بالإنتاج الفكري كما يتجلى في لغة السياسة ولغة القانون والأخلاق
والدين والميتافيزيقا...إلخ."[3]
إن
الإيديولوجيا هي مجموعة الأفكار والتمثلات التي تتخذ طابعا منظما والتي تعبر عن
وضعية وطموح مجموعة اجتماعية ما سواء كانت سياسية أو مهنية أو طبقية وتقدم لهذه
الجماعة تصورات تدعم وحدتها وهويتها وهي بمثابة مخزون من الأفكار الخاصة بالجماعة،
والملائمة لوضعيتها أو تبرير مواقفها وتوجهاتها فالإيديولوجيا ما هي إلا أفكار غير
محايدة مرتبطة بالجماعة حيث يمكن أن تكون أداة تعبئة لصالح هذه الجماعة فمثلا في
المجال السياسي نجد أن لكل حزب إيديولوجية معينة، يسعى من خلالها إلى تمرير مبادئه
وأفكاره وقناعاته وجعلها هي السائدة داخل المجتمع.
تتدخل
الإيديولوجيا في تشكيل وعي الفرد بذاته وبمحيطه وفي تحديد نظرته إلى العالم، إن
مختلف المؤسسات الإيديولوجية لها دور في خلق ضلالات أو وعي زائف لدى الفرد،
انطلاقا من المدرسة، والمؤسسات الدينية والاعلامية... لكن الفرد يعتنق هذه
الضلالات عن صدق وبنية طيبة وقد يعيد انتاجها في أقواله وكتاباته وإبداعاته
المختلفة.
[1] - أندريه
لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية المجلد A-G تعريب خليل احمد خليل، منشورات عوبدات بيروت،ط 2، 2001 ص 212
[2] - بول ريكور، من النص إلى الفعل،، ترجمة محمد برادة وحسان بورقية،
عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية، الطبعة الاولى 2001، ص 245
[3] - محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي،
دفاتر فلسفية، نصوص مختارة، دار توبقال للنشر، الطبعة الثالثة، 2008 ص 44
تعليقات
إرسال تعليق