تحليل ومناقشة السؤال الفلسفي "لِمَ الدولة؟"
إن السياسة هي إدارة شؤون تجمع بشري ما، وهي
ممارسة جماعية ارتبطت بظهور المدن والتجمعات البشرية الكبرى والحاجة إلى تدبير
الفضاءات العامة والأمور المشتركة، وتعد الدولة الاطار المنظم للممارسة السياسية،
فهي عبارة عن أجهزة ومؤسسات عسكرية واقتصادية واجتماعية وإدارية وسياسية... تمارس
السلطة والحكم في بلد ما، وإذا افترضنا أن الإنسان كان يعيش في وضعية سابقة عن
وجود الدولة، فما حاجته إلى وجود الدولة؟ ومن أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ وما
الغاية من وجودها؟
جاء السؤال الماثل بين أيدينا بصيغة استفهام
"لم" والتي توظف لطلب المبررات، يقال مثلا لم فعلت هذا الأمر؟ فيجيب
المعني بالأمر بتقديم مبررات قيامه بالفعل، ولكن المطلوب في السؤال هو تقديم مبررات وجود الدولة والغاية من وجودها، فالدولة
تأسست لتدبير حياة الناس اليومية وضمان حقوقهم والدفاع عنها، وخاصة حمايتهم
والحفاظ على بقائهم، وتنظيم حريتهم، فالإنسان إذا عاش خارج إطار الدولة ستتحول
حياته إلى فوضى وعنف نظرا لغياب المؤسسات والقوانين، وسيسود قانون الغاب القوي
سيأكل الضعيف، بمعنى أن الحق سيخضع لمبدأ القوة، لكن الدولة عبارة مؤسسات قانونية
وإدارية وعسكرية واقتصادية... وجودها ضروي لحماية الناس والحافظ على حقهم الطبيعي
في الحياة، وجعل حريتهم منظمة اعتمادا على مبادئ قانونية وأخلاقية، زيادة على أن
الدولة توفر العديد من الخدمات للمواطنين من صحة وتعليم وتوفير البنيات التحتية
والخدمات الترفيهية... كما تسهر الدولة على ضمان الحريات المدنية مثل حرية التنقل
والتملك... ولا يمكن للدولة أن تؤدي وظائفها وتقوم بعملها بالشكل المطلوب إلا إذا
تأسست على مبادئ مقبولة وكانت سلطتها سلطة شرعية تستمدها من شرعية القانونية.
إن كانت الدولة نتيجة تعاقد اجتماعي يعبر عن
مجموع إرادات الأفراد، فإن هذه الدولة تملك شرعية قانونية، وغايتها الأساسية خدمة
المواطنين وتنظيم حريتهم، لكنها إذا تأسست على مبادئ غير مقبولة فإن سلطتها تصبح
السلطة وقد تنتهك حقوق الفراد وترهبهم وتقمعهم بواسطة أجهزتها القمعية، وتسلب
حرياتهم، وقد تصبح أداة لخدمة مصالح الطبقة المسيطرة.
نجد الفيلسوف اسبينوزا يرى أن غاية الدولة هي
تحرير الإنسان من العنف والخوف، لتجعل منه كائنا يتمتع بجميع قواه الطبيعية،
الجسمية والفكرية، فهو يستخدم عقله بكل حرية، ويعيش في أمان، لكن شريطة أن لا
يتصرف ضد سلطتها، وإلى جانب ذلك ذهب جون لوك إلى أن غاية الدولة هي ضمان الحريات
الفردية، وحماية الناس وضمان سلامتهم الجسدية، ويشترط أن يكون الحاكم مدنيا يقتصر
تدخله على الشؤون العامة ولا يمس حرية الأفراد الشخصية، وقد جاءت هذه التصورات
لنقد نظرية الحق الإلهي التي كانت ترى أن للحاكم سلطة مطلقة لأنه خليفة الله في
الأرض، ولا يمكن لأي مخلوق محاسبته، لأنه مفوض من طرف الله لممارسة السلطة والحكم.
هكذا يتبين من خلال التحليل والمناقشة أن
غاية وجود الدولة هي تنظيم حياة الإنسان، وتهذيب قدراته الطبيعية، وجعله خاضعا
لمبادئ عقلية وأخلاقية، بعيدا عن إتباع أهوائه وغرائزه، شريطة أن تتأسس هذه الدولة
على علاقات اجتماعية تعاقدية.
تعليقات
إرسال تعليق